النائب د. فايز بصبوص
عدة أسئلة طرحها جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي وسؤالنا الأهم لماذا اصر البرلمان الأوروبي على أن يلقي جلالة الملك خطاباً تشخيصياً أمام أكبر هيئة تشريعية في أوروبا، والجواب الحقيقي يكمن في قدرة جلالة الملك على إعطاء تشخيص حقيقي للواقع السياسي المعقد جداً في الشرق الأوسط فهذا التعقيد الكامن في الأزمة المستدامة والتناحر والنزاعات وبناء وفك وتركيب التحالفات قد جعل المتخصصين يعجزون عن قراءة حقيقية وعن قدرة على فك شيفرة فوضى السياسة التي يتسم بها الإقليم، فلسنا بصدد تشخيص للقدرة الاستشرافية لجلالة الملك القار? الموضوعي والواقعي لتلك الأزمات والذي أخرج التشخيص المعرفي الأكاديمي العام لمفردات الخطاب السياسي لأزمة المنطقة إلى وضع العلاج المناسب والحلول الأمثل لتلك الأزمات فعندما قال جلالته: «لا يمكن الوصول إلى عالم أكثر سلاما دون شرق أوسط مستقر. والاستقرار في الشرق الأوسط غير ممكن دون سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين». فهذا يعني أن حل القضية الفلسطينية هو جوهر وموطئ حل أزمات العالم ككل، وهذه ليست مبالغة إنما هو تشخيص قائم على تكامل معرفي ووعي جمعي بشري مترابط متأثر ومتفاعل بشكل لم يسبق له نظير، وخاصة من خلال الث?رة التكنولوجية وتواصل الإعلام المجتمعي، وسرعة انتقال الأزمات وأسبابها، وآليات معالجتها.
من هنا فأن جلالة الملك لم يركز على الحراكات الشعبية في المنطقة إنما ركز على أن هذه الحراكات قد وسمت العام المنصرم على مستوى العالم، منبها جلالته إلى أن البنية الشبابية هي المحركات الجبارة لتلك الحراكات والتي تبحث بشكل مختصر ومفيد عن إعطائها فرصة عادلة من اجل تلبية احتياجاتها وطموحاتها وخصوصية وعيها أي ان العالم كله يقف على أبواب تحول حقيقي جوهره تكافؤ الفرص وعدالة توزيع المكتسبات باطار شمولي هذا التشخيص وشمولية الرؤيا هما ما ميز جلالة الملك في كل خطاباته وفي كل معالجاته واقرب مثال على ذلك عندما اعتبر ومنذ رسالة عمان ان مقارعة التطرف والانعزالية والتقوقع الذ?تي يجب ان يعالج باطار شمولي فالتطرف ناتج ليس فقط بسمته الدينية انما هو رفض الآخر واعتباره غير مرحب به وهذا أدى ظهور الشعبوية والتحولات الحقيقية نحو اليمين والذي لمسته بشكل مباشر دول الاتحاد الأوروبي.
إذن الرؤيا الشمولية لجلالة الملك هي ما جعل الاتحاد الأوروبي يصغي بإمعان لخطاب جلالته الارتجالي وغير المكتوب وتصفيق يعبر عن نضج ذلك التحليل والتشخيص فجوهر الصراع هو في غياب العدالة السياسية في القضية الفلسطينية منوها جلالته برسالة مبطنة واضحة المعالم للمراقبين السياسيين بان القدس ليست فقط هي مدينة روحانية وسياسية وعاصمة لدولة فلسطين انما هي تشكل في قلب سيدنا خصوصية لا يمكن ولن يقبل بتجاوزها وهنا جوهر الخطاب عندما قال جلالته (ماذا لو بقيت القدس، المدينة العزيزة على قلبي شخصيا وذات الأهمية التاريخية الكبيرة لعائلتي، موضع نزاع).